فصل: اختلاف حال الداعية باستدلاله باختلاف حال من سأله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (نسخة منقحة مرتبة مفهرسة)



.التشكيك في صحة نسبة بعض الكتب إلى أصحابها:

الفتوى رقم (7797)
س: يوجد عندنا في قريتنا قيه بجمهورية مالي، شخص يقول: إن رسالة ابن أبي زيد القيرواني ليست بصحيحة، وإن مختصر خليل ليس بصحيح، وإن مذهب إمام مالك ليس بصحيح؛ وقد أحدث هذا بلبلة وشكوكا في هذين الكتابين في مذهب الإمام مالك. والمرجو منكم هو أن تبينوا الحكم بالنسبة لمذهب مالك ومختصر الخليل ورسالة ابن أبي زيد القيرواني.
ج: نسبة كل من رسالة ابن أبي زيد القيرواني إليه، ونسبة مختصر خليل إلى خليل صحيحة، والعلم الموجود في كل منهما كالعلم الموجود في سائر كتب الفقه، يوجد منه ما هو صحيح، وقد يكون فيه ما هو خطأ، وأما مذهب مالك رحمه الله تعالى فكغيره من مذاهب الأئمة الفقهاء: أبي حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى. وكل واحد منهم يخطئ ويصيب، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر على اجتهاده، ولا يؤاخذ بخطه في اجتهاده. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب رئيس اللجنة: عبدالرزاق عفيفي
عضو: عبدالله بن غديان

.هل الزواج أفضل أم طلب العلم:

السؤال الخامس من الفتوى رقم (2255)
س5: هل مواصلة الشبان طلب العلم بعد الدراسة الثانوية أو الجامعية أفضل أو زواجهم لحفظهم من السقوط في الفاحشة والشذوذ الجنسي؟
ج5: إيثار مواصلة الشبان طلب العلم على زواجهم أو العكس مما يتنوع فيه الحكم شرعا بتنوع أحوالهم من عفتهم وقوتهم على ضبط نفوسهم، أو طغي نفوسهم وعدم تماسكهم أمام طغيان شهواتهم، ومن إمكان جمعهم بين الزواج ومواصلة طلب العلم وعدم إمكان ذلك، ومن حاجة المجتمع لزيادة تعلمهم أو ضرورته إلى ذلك منهم وعدمه.
فمن أمكنه الجمع بين الأمرين جمع بينهما ولا إشكال في ذلك، ومن يستطع أن يضبط نفسه ويتماسك أمام شهواته ولا يقوى على الجمع بين الأمرين ضبط نفسه ولو بالصيام، وأتم دراسته نفعا لنفسه ولأمته، ومن كان المجتمع الإسلامي في حاجته أو ضرورة إلى خدماته لينهض بشؤونها في جوانب من حياته بعد أن تتكامل ثقافته في تلك الجوانب وهو لا يقوى على كبح جماح شهوته إلا بالزواج وجب على ولي الأمر أن يعينه على الجمع بين الأمرين؛ حفظا لفرجه، وتحقيقا لمصلحة الأمة بإتمام دراسته ليتولى ما يناسبه من شؤونها، ودعم مرافقها إذا احتاج للعون، ومن لا يستطع ضبط نفسه إلا بالزواج ولم يساعده ولي الأمر على إكمال دراسته أو كان في غير حاجة إلى خدماته آثر الزواج على إتمام التعلم؛ حفظا لفرجه، واكتفى من العلم بما هو ضروري في دينه بالنسبة لمثله.
وبالجملة فالمسألة تحتاج إلى حسن تطبيق لما يجب على كل شخص حسب حاله وحال مجتمعه وأمته. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
عضو: عبدالله بن غديان
عضو: عبدالله بن قعود

.أخذ الطالب الذي لا يحضر الدراسة المنحة الدراسية:

السؤال الثاني من الفتوى رقم (4589)
س2: طالب يسجل نفسه في الجامعة ثم لا يدرس في الجامعة، وعندما يأتي وقت توزيع المنح يذهب هذا الطالب إلى الجامعة ويأخذ منحته، علما بأنه لا يدرس، وكذلك إن هذه المنحة جعلت إعانة للطلاب الذين يدرسون، والسؤال هل أخذ هذه المنحة حلال أو حرام؟
ج2: إذا كانت هذه المنحة جعلها ولي الأمر لمن سجل اسمه وحضر الدروس فلا يحل للطالب أخذها دون حضور الدروس، إلا إذا غاب لعذر قبله المسؤول عن المدرسة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
عضو: عبدالله بن غديان
عضو: عبدالله بن قعود

.المقصود بقول: «قال علي» في كتاب المحلى:

الفتوى رقم (6988)
س: الحمد لله، وبعد: فقد وفقني الله لمطالعة كتاب (المحلى) للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، وقد وجدته كثيرا ما يحكي عن علي، فيقول: قال علي، قال علي، فظننت بادئ ذي بدء أنه يريد به الإمام علي بن أبي طالب، ولكني لما توسطت في الكتاب فإذا هو لا يمكن أن يكون الإمام علي بن أبي طالب، وحاولت أن أعرف من الكتاب من علي هذا الذي يعنيه ابن حزم فما استطعت. فأرجوكم أن تتكرموا علينا بتوضيح هذه الشخصية التي يحكي ابن حزم عنها، وأن تعطونا معلومات كاملة عن تلك الشخصية لنكون على هدى وبصيرة. كان الله لكم عونا وذخرا.
ج: علي الذي تسأل عنه هو نفس المؤلف أبو محمد علي ابن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، المتوفى عام 456 هـ، والمذكور من العلماء المبرزين في الأصول، والفروع، وفي علم الكتاب والسنة، إلا أنه خالف جمهور أهل العلم في مسائل كثيرة أخطأ فيها الصواب؛ لجموده على الظاهر، وعدم قوله بالقياس الجلي المستوفي للشروط المعتبرة، وخطأه في العقيدة بتأويل نصوص الأسماء والصفات أشد وأعظم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
عضو: عبدالله بن غديان
عضو: عبدالله بن قعود

.الشيخ محمد ناصر الدين الألباني واهتمامه بالحديث:

السؤال الثالث من الفتوى رقم (5981)
س3: يا فضيلة الشيخ: قد كثر الكلام في أيامنا هذه من أحد العلماء العاملين لنصرة هذا الدين، ألا وهو: محمد ناصر الدين الألباني، ويتهمونه بأنه إنسان لا علم له، ظهر لكي يحدث البلبلة في أوساط الناس، وإن هناك من قال: إنني بدأت أبغضه في الله. فهل ترى أن هذا العمل الذي يقوم به هذا الأستاذ الفاضل الكريم ولست متعصبا له؛ لأن احترامي له لا يستلزم أنني متعصبا لشخص من الأشخاص على غير لائق، أعني أنه لا يخدم الإسلام والمسلمين، وماذا نقول للناس الذين يقولون: إن الناس تموت في سوريا وفي أفغانستان وهو لا يزال يهتم بالصحيح والضعيف. كلمتكم الأخيرة عن هذا الأستاذ.
ج3: الرجل معروف لدينا بالعلم والفضل وتعظيم السنة وخدمتها وتأييد مذهب أهل السنة والجماعة في التحذير من التعصب والتقليد الأعمى، وكتبه مفيدة، ولكنه كغيره من العلماء ليس بمعصوم؛ يخطئ ويصيب، ونرجو له في إصابته أجرين وفي خطأه أجر الاجتهاد، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم واجتهد فأخطأ فله أجر واحد» (*) ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم وإياه للثبات على الحق والعافية من مضلات الفتن. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
عضو: عبدالله بن غديان
عضو: عبدالله بن قعود

.الدعوة:

.اختلاف حال الداعية باستدلاله باختلاف حال من سأله:

السؤال الأول من الفتوى رقم (1591)
س1: ما موقف العالم من سائل لا يقنع من بعض القضايا التي يستفهم عنها بالدليل النقلي، بل يطلب دليلا عقليا مثل توحيد الألوهية، أو بقاء القرآن محفوظا ونحو ذلك؟
ج1: يختلف حال الداعية في استدلاله باختلاف حال من يسأله عن قضية أو يحاجه فيها، فقد يكون مقرا بأصول تلك القضية، معترفا بما يوجب عليه التزامها والعمل بها، فلا يشغل المستدل نفسه بإثبات تلك الأصول وإقامة الحجة عليها، فقد أغناه اعتراف سائله أو خصمه بها عن الاحتجاج عليها، بل يوجه عنايته إلى بيان اقتضاء هذه الأصول إثبات دعواه فيما خالفه فيه خصمه؛ ليحمله على موافقته فيها، واعتقاده إياها والعمل بها، من ذلك استدلال الرسل عليهم الصلاة والسلام بما أقر به المشركون من توحيد الربوبية على إثبات ما أنكروه من توحيد الإلهية، وقد أرشد الله جل شأنه إلى هذا في كثير من آيات القرآن، وهي أدلة عقلية نقلية في وقت واحد. ومن ذلك أيضا احتجاج المسلم على المسلم بقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [" class="commentLink">(*)سورة الحجر الآية 9] على حفظ القرآن وصيانة نصوصه وألفاظه من التحريف والتبديل، وبقائه بلفظه كما نزل؛ ليكون حجة على عباده إلى أن تقوم الساعة. وهذا دليل نقلي تقوم به الحجة على من آمن ببقاء ما بين دفتي المصحف إلى وقت الخصومة، لكنه خالف في استمرار حفظه في المستقبل.
وقد يكون السائل شاكا في أصول ما سأل عنه، طالبا الدليل على تلك الأصول، أو منكرا لها حتى إذا ما ثبت بالحجة ثبت ما تبعا لها ما سأل عنه أو أنكره؛ فيضطر المستدل إلى إثبات هذه الأصول بالأدلة العقلية، كالذي حاج إبراهيم عليه السلام في ربه، فإن إبراهيم عليه السلام استدل على إثبات الربوبية لله بأنه هو الذي يحيي ويميت، فسلك الكافر في جداله طريق التمويه، وادعى لنفسه أنه يحيي ويميت، وقصد معنى سوى الذي قصد إليه إبراهيم عليه السلام في استدلاله، فأتاه إبراهيم عليه الصلاة والسلام بآية أخرى من آيات الربوبية على سبيل المثال لا يجد الكافر سبيلا إلى التمويه والمغالطة فيها، فقال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [" class="commentLink">(*)سورة البقرة الآية 258] وكفرعون فإنه قال لقومه: أنا ربكم الأعلى، وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [" class="commentLink">(*)سورة القصص الآية 38].
وقال: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [" class="commentLink">(*)سورة غافر الآية 36-37] وذكر الله في آيات من سورة الشعراء محاجة فرعون لموسى عليه السلام في ربه، وإنكاره عليه أن يتخذ ربا سواه، وإقامة موسى الحجة عليه، فقال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [" class="commentLink">(*)سورة الشعراء الآية 23-29] فهذا الاستدلال عقلي استدل فيه بالأثر على المؤثر وبالآيات الكونية على بارئها، ولا شك أن ذلك مما يدل عقلا على اختصاصه تعالى بالربوبية، ويلزم من ذلك اختصاصه تعالى بالألوهية، وكذلك منكرو النبوة يستدل عليهم بالمعجزات وخوارق العادات لإثبات النبوة، كما هي سنة الله في رسله عليهم الصلاة والسلام، فإنه يؤيدهم بالمعجزات التي تدل على صدقهم في دعوى الرسالة وتقوم بها الحجة على أممهم.
وليس يجدي في مثل ذلك الاستدلال بالنقول الخبرية المحضة، كقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [سورة الإخلاص الآية 1] في إثبات التوحيد، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [" class="commentLink">(*)سورة سبأ الآية 28] في إثبات الرسالة، ولا يكفي من ينكر بقاء القرآن محفوظا منذ نزل إلى زمن المحاجة الاستدلال بقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [" class="commentLink">(*)سورة الحجر الآية 9] بل الإثبات بذلك مستحيل؛ لما يترتب عليه من الدور السبقي أو التسلسل الممنوع، والذي يتعين الاستدلال به في مثل ذلك الدليل العقلي المحض أو النقلي المتضمن للدليل العقلي، كالآيات التي استدل بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام من حاجه في ربه، والآيات التي استدل بها موسى على فرعون، وكثير من الآيات القرآنية التي استدل بها على البعث والنشور يوم القيامة، بل يستدل على إثبات بقاء القرآن محفوظا إلى يومنا بنقله نقلا متواترا، وبكونه معجزة خالدة إلى يوم القيامة، وإليك بيان ذلك:
أما بيان كونه ضبط من حين نزوله ونقل نقلا متواترا يفيد القطع واليقين: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له كتاب يكتبون له الوحي وغيره، وكان إذا نزلت عليه سورة أو آيات أو آية أو بعض آية أملى ذلك على كاتب منهم، فكتبه على ما تيسر له من العسب والحجارة الرقيقة والعظام ونحوها، واستمر ذلك حتى أكمل الله دينه، وأتم على الأمة الإسلامية نعمته، ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ما نزل عليه منه، قراءة تثبت وتفهم ودراسة في الصلاة وغيرها، وكان ينزل عليه جبريل عليهما الصلاة والسلام، فيدارسه القرآن في شهر رمضان، واستمر ذلك حتى توفاه الله، هذا مع عصمته في البلاغ والتشريع.
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأون ما نزل من القرآن، ويتدارسونه بينهم، فلا يكادون ينتهون مما تعاهدوه بالتلاوة والدراسة من السور أو الآيات، إلا وقد حفظوه وفهموه، وعملوا به؛ فجمعوا بذلك الحفظ والعلم والعمل، يعرف ذلك من قرأ دواوين السنة والسيرة، وعلم ما فيها من الأحاديث والآثار، وكان عنده إلمام بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحياة أصحابه رضي الله عنهم، وعرف مدى عنايتهم بحفظ الدين عامة، وحفظ القرآن خاصة.
وقد اشتهر بحفظ القرآن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وزيد بن ثابت وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن الزبير، وأبو زيد الأنصاري رضى الله عنهم.
ولما كان يوم اليمامة وكثر القتل فيمن كان في جيش المسلمين من القراء؛ لزيادة حرصهم على القتال، وحث بعضهم بعضا عليه بكلمة (يا أهل القرآن) إثارة لشعورهم، وغيرتهم على الإسلام، حتى يتسابقوا إلى القتال؛ نصرة لدين الله؛ لما كان ذلك اتفق الصحابة رضي الله عنهم على جمع القرآن مما كتب فيه، ومن صدور الحفاظ الثقات، فتم ذلك على أكمل وجه وأحكمه، وكانت الصحف التي جمع فيها عند أبي بكر، خليفة رسول الله، إلى أن توفي، ثم عند عمر أيام خلافته إلى أن توفي رضي الله عنهما، ثم كانت عند بنته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد علم أن القرآن نزل على سبعة أحرف، أي: لغات، وكان كل جماعة من الصحابة يقرؤون بحرف منها. فلما تولى عثمان رضي الله عنه الخلافة أشير عليه أن يجمع القرآن على حرف واحد من الأحرف السبعة؛ خشية الاختلاف من تعدد الأحرف، فأمر رضي الله عنه بذلك، وتمت كتابة القرآن على حرف واحد بأيدي القراء الثقات، وقوبل بالصحف التي كانت عند حفصة رضي الله عنها، وثبت اتفاقهما، ونسخ منها مصاحف أرسلها إلى عواصم الإمارات الإسلامية، بعد أن قرئت على الصحابة بين يديه، فأقروها رضي الله عنهم، واحتفظ بالأصل عنده بالمدينة المنورة، وصار المعتبر عند الصحابة رضي الله عنهم هذه المصاحف، وثبت ثبوتا يوجب اليقين، يفيد القطع بأن ما جمع هو ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمر العمل عليها إلى يومنا هذا، تنقلها كل طبقة من الأمة عمن قبلها، كتابة وحفظا، وقد بلغ عدد من كتبه وحفظه في كل طبقة حدا فوق التواتر الذي لا يبقى معه موضع لريبة ولا يدع مجالا لشك، في أن ما وصلنا هو ما جمعه أبو بكر الصديق أولا ثم عثمان.
ثانيا رضي الله عنهما. وهذا في إفادة اليقين كالأخبار الكثيرة عن المدن المشهورة، في إفادة اليقين بوجودها، ولو لم يكن إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أن ما جمع في المصحف في خلافة أبي بكر وفي المصحف في خلافة عثمان رضي الله عنهما هو القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم مفيدا لليقين لما كان هناك ما يفيد اليقين سوى المحسوسات، ولو لم تكن الأخبار عن حفظ القرآن في صدور قراء المسلمين وعن كتابتهم إياه مع الإحكام والدقة في الضبط في جميع الطبقات مفيدة لليقين لما كان هناك أخبار تفيد اليقين، ولو أن إنسانا في عصرنا الحاضر الذي خفت فيه عناية المسلمين بالدين أراد أن يجمع القرآن من أفواه القراء وحفاظ القرآن دون الرجوع إلى ما كتب مخطوطا أو مطبوعا أو مسجلا في أشرطة لوسعه ذلك بيسر وسهولة، فكيف بذلك في العصور الإسلامية الزاهرة التي بلغت فيها العناية بالدين أصوله وفروعه شأوا بعيدا وغاية قصوى في النهوض به في شتى جوانبه وجميع نواحيه، إن الواقع لأعظم بينة وأوفى شهيد على بقاء القرآن محفوظة نصوصه من يوم نزل إلى وقتنا.
وأما إثبات بقائه محفوظا بكونه معجزة خالدة إلى يوم القيامة فإن ما كان به معجزة ودليلا على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن نزوله عليه لا يزال قائما، فهو لا يزال يتحدى العالم أن يأتوا بمثله في فصاحته وبلاغته وقوة أسلوبه وفي أحكام تشريعه وصلاحيته للنهوض بالأمم، مع تفاوت طبقاتها واختلاف أحوالها في كل زمان ومكان، وفي قصصه الصادق عن الأمم السابقة وأخباره عن سائر الغيبيات السابقة واللاحقة، ولم يأت أحد بمثله حتى وقتنا الحاضر، مع بعد العهد بنزوله، ومضي أكثر من ثلاثة عشر قرنا على ذلك، ومع كثرة خصوم الإسلام والمسلمين، وشدة مكرهم وكيدهم لهم، ودأبهم في العمل للقضاء على هذا الدين، ومع تقدم الناس في العلوم الكونية والثقافات المتنوعة، ويأبى الله إلا أن يحفظ دينه ويعلي كلمته، ويكتب للقرآن والسنة الصحيحة البقاء؛ لتقوم بذلك الحجة على الناس. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
عضو: عبدالله بن غديان
عضو: عبدالله بن قعود